أسباب رفض أهالي السويداء “خارطة طريق” الحكومة الانتقالية

أعلنت الحكومة الانتقالية في سوريا، بدعم أمريكي – أردني، “خريطة الطريق” لحل الأزمة في السويداء، لتواجه مباشرة رفضاً واسعاً تجسد في تظاهرات واحتجاجات. فما هي الأسباب التي دفعت الأهالي إلى رفض ما وُصف بـ “الاتفاقية الثلاثية”؟
أسباب رفض أهالي السويداء “خارطة طريق” الحكومة الانتقالية
أثارت “خريطة الطريق” التي أعلنتها وزارة خارجية الحكومة الانتقالية في سوريا، والتي جاءت بدعم أمريكي – أردني، وتهدف لما أسموه “حل الأزمة في السويداء”، جدلاً واسعاً ورفضاً شعبياً صريحاً من قبل الأهالي والأطراف السياسية والعسكرية في المنطقة.
مظاهرات واعتصامات رافضة “للاتفاقية الثلاثية”
وشهدت السويداء وريفها منذ الإعلان عن “الاتفاقية الثلاثية”؛ مظاهرات واعتصامات، وأوضحت أن سكان السويداء لن يقبلوا بأي حل يفرض عليهم من الخارج، دون استشارتهم ومراعاة خصوصيتهم التاريخية والاجتماعية والسياسية.
ويرى مراقبون أن هذا الموقف يعكس إدراك أهالي السويداء العميق لحقوقهم الأساسية في تقرير مصيرهم، بعد ما تعرضوا له من انتهاكات ومجازر في تموز الماضي.
“فقدان الثقة”
هناك الكثير من الأسباب التي يمكن أن تدفع بأهالي السويداء إلى رفض هذه الاتفاقية، لعل أبرزها:
أولاً – فقدان الثقة بالحكومة الانتقالية: وذلك بعدما شهدت المدينة وريفها مجازر دامية وهجمات طائفية أدت إلى مقتل أكثر من ألفي شخص، وما زالت آثارها محفورة في الذاكرة الجمعية للسكان وفي الشوارع وأمام الأعين.
ولهذا يرى الأهالي أن الحكومة الانتقالية نفسها تتحمل مسؤولية هذه الجرائم، كونها كانت الطرف المحرض مع إعلامها الرسمي، ولم تتخذ أي إجراء لمنع وقوع المجازر، بل شارك مسلحوها في ارتكاب الجرائم بحق المدنيين، وهذا بدوره يجعل أهالي السويداء لا يثقون بهذه الحكومة أو أن تكون ضامنة لمستقبلهم في أي اتفاق سياسي، إضافة إلى أن قبول أي حل تقدمه الحكومة الانتقالية يعني التسليم بشرعيتها على أرضهم، وهو أمر مرفوض تماماً من قبل الأهالي بعد الهجوم الدموي.
“التهميش الإرادة وعدم الإشراك”
ثانياً – التهميش الواضح لأهالي السويداء في صياغة أي اتفاق: “خريطة الطريق” أُعِدّت بعيداً عن المجتمع المحلي، ولم يُستشر السكان أو ممثلوهم في أي مرحلة من مراحل التفاوض. وهذا يعني بالنسبة للسويداء، تجاهلاً يعكس محاولة فرض وصاية خارجية على المدينة، وحرمان الأهالي من المشاركة في رسم مستقبلهم، وهو ما يرفضونه رفضاً قاطعاً.
كما أن البنود التي نصت على تعيين مسؤولين أمنيين من دمشق والحفاظ على سيطرة الحكومة المركزية دون مساءلة، عدَّها الأهالي استفزازاً مباشراً وتهديداً لكرامتهم واستقلاليتهم المحلية، وعدم احترام الدماء التي سالت.
“لا ضمانات لمحاسبة الجناة”
ثالثا – السكان يرون أن الاتفاق لا يعالج الانتهاكات والمجازر التي وقعت بشكل حقيقي: الاتفاق الأخير لم يقدم أي ضمانات لمحاسبة الجناة ممن ارتكبوا الجرائم بحق أبناء السويداء، وهذا يناقض مبدأ “العدالة والمسائلة” وهو ما يجعل الأهالي يشعرون بأن الحكومة الانتقالية تحاول فرض حل شكلي يكرس هيمنتها على السويداء بدلاً من تقديم معالجة حقيقية للملف، تقوم على أساس محاسبة كل من ارتكب جرماً بحق أبنائهم وتقديمهم للعدالة مسؤولاً كان أم ضابطاً أم عنصراً.
وهذا الشعور انعكس بشكل جلي في المظاهرات والاعتصامات الشعبية التي خرجت في ساحة الكرامة والعشرات من البلدات والقرى في ريفها، حيث عبّر السكان عن رفضهم لهذه الاتفاقيات التي لا تمثلهم وتهدر حقهم في أن يروا قاتلي أبنائهم أمام العدالة وخلف القضبان.
“حق تقرير المصير”
وخلال الأيام الماضية، بدأ أهالي مدينة السويداء بتنظيم حملات جمع تواقيع على وثيقة “حق تقرير المصير”، حيث تجاوز عددها حتى يوم السبت الـ 20 من أيلول الجاري، 100 ألف توقيع إلكترونياً، فيما تستمر حملة التوقيع الخطية ضمن السويداء وريفها.
ورغم أنها ليست إعلان استقلال رسمي، تمثل أداة قانونية وسياسية قوية، إلا أنها تعكس إرادة المجتمع المحلي وتضع ضغطاً على الجهات الدولية، وتبين الموقف الحقيقي للأهالي من السلطة القائمة وحقهم في تقرير مصيرهم، وأن أي تجاهل لهذه الإرادة ستكون انتهاكاً صارخاً لمبدأ “تقرير المصير”، المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، الذي يشكل إطاراً قانونياً للشعوب لممارسة استقلالها واختيار نظامها السياسي دون تدخل خارجي.
رابعاً – إصرار أهالي السويداء على أن يكون لهم دور مباشر في إدارة شؤونهم: رفض “خريطة الطريق” تعني أن الأهالي يريدون حقهم في إنشاء “إدارة ذاتية” أو حتى “إقليم” مستقل ضمن نظام لامركزي أو حتى فيدرالي. ولهذا فإن أي حل سياسي لا يشرك فيه السكان المحليين سيعدّونه فاقداً للشرعية ويهمشهم ولن يلقى قبولاً شعبياً.
خامساً – مخاوف الأهالي من تكرار المجازر والانتهاكات: يمكن اعتبار تكرار المجازر في السويداء من الأسباب الرئيسة لرفض الأهالي “خريطة الطريق”، خاصة وأن خطاب الكراهية والتحريض؛ سواء من قبل الحكومة الانتقالية وإعلامها لم يتوقفا حتى اللحظة.
إضافة إلى أن قبولهم بالخريطة يعني سماحهم بدخول الحكومة الانتقالية إلى المنطقة ولو بشكل رمزي، وهو ما قد يكون تمهيداً لارتكاب مجازر وعمليات قتل مستقبلية.
الخلاصة.. إن إرادة أهالي السويداء اليوم، تمثل العامل الرئيس والحاسم في تحديد مستقبل مناطقهم، وأي حل لا يحترم حقوقهم وسيادتهم وخصوصيتهم المحلية سيكون محكوم عليه بالفشل، حتى ولو هذا الاتفاق أو الحل كان مدعوماً دولياً وأممياً، كون السكان لن يقبلوا بأن يكون ماضيهم المأساوي أداة لفرض حلول خارجية عليهم، وأن تكون الحكومة التي يعتبرونها “مسؤولة عن المجازر” التي حصلت، ممثلة لمصيرهم السياسي والاجتماعي.
ومن الواضح، بحسب مراقبين، أن السويداء تسعى إلى تأكيد استقلالها في القرار المحلي والحفاظ على هويتها وكرامتها، بما يحمل أي اتفاق سياسي حقيقي لا يمكن أن يتم من دون مشاركتهم وموافقتهم المباشرة.
(م د/أم) – ANHA